الخميس، 20 يناير 2011

السيرة الذاتية والعملية للفنان مهنا الدرة


الفنان مهنا الدرة :
من مواليد عام 1938م ، خريج أكاديمية الفنون الجميلة ( روما ) عام 1958 م ، أقام العديد من المعارض الشخصية ، وشارك في العديد من المعارض الجماعية في الداخل والخارج ، يعمل حاليا سفير للجامعة العربية في روما . 





ملاحظة نقدية :
يمكن اعتبار بدايات مهنا الدرة بعد احترافه الفن ، ومنذ منتصف الستينيات ، بأنها بدايات شعبية وفلكلورية ، اضافة إلى التشخيص ورسم الوجوه ، وقد بدأ بهذا الأسلوب لاعتبارات التواصل مع جمهور الفت ، الذي لم يكن قد تدرب بما فيه الكفاية على رؤية العمل الحديث ، وقد استلهم أعماله في هذه المرحلة من الوجوه الشعبية والبدوية والصحراء ، معالجا اياها بطرائق تقنية غريبة ، فيها النور والظل والخط الذي تطور بشكل حثيث ليصبح دورانيا  ومتصلا ، يعني باستمرارية الحركة الراقصة ، التي تراعي حركة اليد والعين ، ولكن هذه الخطوط الحلزونية ما لبثت أن تطورت حثيثا نحو التجريد ، وما أن اطمأن مهنا إلى جمهوره ، حتى بدأ يجرد أشكاله ويبتعد عن التشخيص شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى تكويناته المعمارية التجريدية ، التي تركز على الكتلة الفورم في مركز اللوحة وبشكل كبير .
اهتم مهن منذ بداياته بموسيقى اللون وهارمونيته ، مستفيدا من اتجاهات المدرسة الايطالية في الرسم ، ولكنه بدلا من أن يبدأ بالسلم اللوني البارد ، لجأ إلى الألوان الحارة والصحرواية ، لكنه عاد في تجريداته إلى الأزرق ومشتقاته .
اهتم أيضا بالخط وتعبيراته ، ومن خلال هذا الاهتمام وصل إلى تلخيص الشكل بأقل ما يمكن من خطوط ، وعلى الأصح بخط حلزوني متصل ، ليعبر عن حركة ما ، وهذا واضح في معرضه الذي أقيم في المركز الثقافي الأمريكي في عمان بعنوان معرض الحركة والخط .
 وقد أثر على مهنا أساليب الكثير من الفنانيين أمثال توفيق السيد ، عمر حمدان ، نبيل شحادة ، مأمور ظبيان ، يوسف بدواي وآخرين ، لكن هذا التأثير لم يستمر ، ذلك أن مهنا قد ترك الساحة التشكيلية إلى الاعتراب من جديد .
مهنا الدرة
رائد ومؤسس في الحركة التشكيلية الأردنية
مهنا الدرة مولود في عمان عام 1983 هو ألمع الفنانين الأردنيين في سني الستينيات والسبعينيات وأهم الرواد التشكيليين الأردنيين ، فهو من أوائل الدارسين للفن في روما عام 1958م وعمل كملحق سياحي للسفارة الأردنية هنام حتى عام 1963 وتعرف منذ ذلك الحين على اخر موجات الفن الحديث ومزج ذلك بالموروث الشعبي والفلكلوري كبداية لتأسيس حركة أردنية لها ملامح خاصة وواثقة تأخذ من جهة وترتكز على التقنية الفنية الأوروبية من جهة أخرى كالتلوين والتظليل وتوزيع واخراج الكتلة والتكوين
على أن الموضوع الفلكلوري لم يكن تأسيسا لهذه السمات بقدر ما كان نوع من التواصل كع الجمهور الذي لم يتعود بعد على رؤية العمل الفني الحديث وأتاح له هذا الموضوع الفلكلوري اظهار مقدرته الفنية والتقنية كما انه نوع من التفاعل مع المحيط والبيئة والثقافة لكنه حين اطمأن إلى جمهوره أخذ يتجه للحرية في خطوطه ومواضيعه وتكويناته تاركا لحركة  الخط الحلزونية والفرشاة الجريئة والصريحة دورا في اثراء الموضوع لا الغائه بل يؤكد انفعاليا وجماليا .
وفي خطوة أخرى يتجه مهنا إلى التجريد بعد أن أخذ شرعيته كفنان وبشكل أدق كفنان أول في الأردن معتمدا على التقسيمات الطولية والعرضية في الخطوط والمساحات والتكوين الواعي القادر على المثول في وسط اللوحة بصلابة وشموخ .
ان ثقافة مهنا التشكيلية اكسبته القدرة على تطوير بحثه الجمالي الجديد وتركت لديه ذلك القلق الابداعي الذي يحاذر في كمية الاسقاط الداخلي الموزع على شخوصه وذلك الحزن الدين والانغلاق إلى الداخل فيها ، وهو تعبير ما عن عن أزمته كفنان معاصر في مجتمع محدود وهو قلق مشروع يدفعه بين الحين والاخر لايجاد لحظات من الفرحة والغبطة على أقنعة شخوصه لكي يستر غربتها.
ان الابتسامة في شخوصه تشبه ابتسامة الموناليزا وهذا يحيلنا إلة تأثره بالفنان الايطالي ليوناردو دافنشي لكن هذه الوجوه معالجة باستفادات من رامبرانت أشهر من وزع الضوء في أعماله.
على أي حال فإن هذه الوجوه المأخوذة من الصحراء والريف الأردني يغلفها شيء من الحزن الدفين والتحدي الرصين لظروف المناخ والبيئة والحياة .
استعمل مهنا سلم الألوان الحارة ( الأحمر والبرتقالي والبني والأصفر ) في مرحاله الأولى وكان الأزرق بتسلل بعنفوان لكنه خجول وغير ملحاح وفيما بعد بدأ الأزرق بالتوسع والتنوع سواء في مساحته وتداخلها أو في حركته لينتقل شيئا فشيئا من الواقعية إلى التجريد والذي أصبح السمة الأهم في أعماله الأخيرة ومصدر الهام للكثير من مريديه
ويمكن القول أن مراحله الصريحة والحارة تعبر عن انفعاله بالبيئة والمحيط فانتقل هذا الانفعال الى الاشياء والناس في لوحاته ولشعوره بأن بركانه الداخلي لم يجد توازنه بعد من محصلة الأنا والآخر ( الفنان والمجتمع ) ولكنه حين يصل شرعيته كفنان يتجه بلا تردد إلى الفنان المتأمل في رؤاه الداخلية معتمدا على هذا الازرق يستعمل شتى التقنيات المساعدة جماليا من شفافية ولملس وتنغيم في المساحة وحركة خطية تتغلغل في نسيج اللون واللوحة معا في مسارب وحركات انفعالية قدارة على ابراز الشحنة المطلوبة ولكنه فيما بعد يستغني عن كثير من خطوطه ويركز فقط على استاطيقا المساحات وألوانه الهارمونية وضخامة الكتلة في تكوين مدروس .
على صعيد تخطيطاته يقيم مهنا معرضا مهما في توقيته وموضوعه بعنوان الحركة والخط حيث يعرض مهنا حينها أكثر من خمسين لوحة ليس فيها إلا خط كروكي سريع ومقنن ومختزل ليعطي من خلاله حركة واحدة متصلة من خط ما وشكلا في وضع انساني معبر بل ان هذه الخطوط قد عكست احساسا بالموسيقى الخطية التي تتجسد أما العين بل أن هذه الموسيقى لم تكن فقط في الخط بل انها تتوفر في مجمل أعماله اللونية وهارمونية في كل مساحة وخط وتلوين
أما الموسيقى البصرية فلها حضور طاغ قادر على إلغاء الموضوع ( في أعماله التجريدية ) كنوع من التأكيد على استقلالية الفن عن الاعلام أو الأدب بل ممارسة تأميلة أساسها الرؤية البصرية بل ان كثيرا من أعماله التي رسم فيها مواضيع شعبية ، أو خطابا اعلاميا قد ترك بدون توقيع مكتفيا بعلامات دالة على خلف اللوحة لا تلزمه وان تركت عليه بعض التحفظات وهو سلوك يؤشر على انحيازه للرؤى البصرية التي لا تتكئ على الموضوع
ان أهمية مهنا باعتباره مؤسسا ورائدا من رواد الحركة التشكيلية الأردنية تتأتى من شخصيته وديناميته وتأثيره على عدد غير محدود من الفنانين والمريدين اضافة لتبوئه للعديد من المناصب ومواقع القرار وتأسيسه لمركز الفنون الجميلة وقد أتاحت له هذه الميزات الفرصة المناسبة للتأسيس والتفعيل والابداع



الفنان علي الغول :
من مواليد سلوان 1938م ، حصل على الدكتوراة في الهندسة المعمارية من فلورنسا ونيوكاسل في بريطانيا ، أقام مجموعة من المعارض الشخصية ، وشارك في العديد من المعارض الجماعية ، وهو من فناني الرعيل الأول .
ملاحظة نقدية :
إنه فنان مطلق من حيث توجهاته ، وهو يظهر قدرة رائعة على التعبير ، متعدد زوايا الرؤيا ، يصعب أن نضع أعماله في اطار معين ، أغلب أعماله تمتاز بقوة التأثير في إطار القدرة الأكاديمية الجيدة ، وهو يناقش قضايا انسانية ملحة ، على أن هذا لا يحول دون طرقه لمواضيع وقضايا عادية ، تلمس في أعماله توجهها نحو الطبيعة بأسلوب تأثيري نافذ ، وللفنان علي الغول  تجربته الفنية ، حيث يعتبر مرجعا في استاطيقا الجمال ، كما أنه يمتلك احساسا صوفيا يقربه من جوهر الفت الحقيقي ، كما أنه لا يتوقف عن التجريب الواعي ، حيث تجاوز ذاته باستمرار من خلال الوثب بين المدارس الفنية المختلفة ، فهو تجريدي مرة ، وسيريالي مرة أخرى ، ومارا بمدارسة فنية تعتمد الانطباعية والتأثيرية على صعيد التكوين واللون .
ورغم هذا الخلط العجيب إلا أنه يشعرنا دائما بوحدة عامة تربط جميع أعماله في اتساق واحد مؤثر يقوم على اتزان هندسي بين سائر العناصر في تجاذب بين الهندسة وقوانينها وبين الفن وتحرره ، لقد استعمل الفنان ألوان الشمس المشرقة معتمدا على التدرج اللوني والتقابل اللوني ، كما أن أعماله تمتاز بجرأة في استعمال الفرشاة ، الأمر الذي يعطي غنى في سطوحها ، قلد انتقى الفنان " علي الغول " مواضيعه من الطبيعة ( البحر ) أو ( الأرض ) و ( الإنسان ) ، وهو كذلك يؤكد باستمرار على أهمية انبثاق أي عمل فني من روح الشعب وهو كذلك يؤكد باستمرار على أهمية انبثاق أي عمل فني من روح الشعب تعبيرا عن آماله وطموحه في اطار من المحلية على الفن عالميا .
علي الغول
بحث مستمر وحيوية حركية لا تعترف بالنمطية
المتأمل لأعمال على الغول خلال ثلاثة عقود ، يلحظ ذلك الطيف الواسع من المواضيع وأساليب العمل والخامات ، سواء في مراحله المختلفة ، أو في المعرض الواحد ، إذ ينتقل من الزيت إلى الماء ، فالاكريليك والغراء والأملشن ، وكل ما يمكن أن يشكل خامة لونية ، أو يشكل وسيطا أو سطحا تصويريا ، بل أنه كثيرا ما يقفز من أسلوب إلى آخر دون مقدمات ، فمن الاستفادات التعبيرية إلى استفادات سيريالية إلى التجريد ، بل إنه ينتقل من الاجتماعي إلى التراثي فالحداثي ، ويدمج الشكل بالرمز والإشارة والحروف في كل متكامل ، وعليه يمكن القول أنه فنان مجرب ، وتجريبه نابع من رغبة في البحث عن حقيقة الشكل المتخفي في الخامة ، بنهم جمالي تسنده رشاقة الحركة وحريتها ، دون إلزام نفسه بإسلوب أو أداء بل يمكن القول إن هاجسه محكوم بهذا الاكتشاف من جهة ، وعدم الركون لما هو منجز ، وهو مزاج معروف لدى الفنانين ، ولعل الغول أيضا يريد الهرب من قوانين الهندسة والعمارة وهو حامل الدكتوراة في الهندسة المعمارية ، لطبيعة خاصة به تنفر من الدارج والروتين ن وهو في جميع حالاته وأسبابه باحث جمالي ، أنجز كما هائلا من اللوحات والأبحاث ، خاصة في المجال الحروفي ، والتي لم تر النور بعد ، فهو كغيره من المبعدين محتاج إلى التفرغ الغتي والبحثي ، كضرورة مهمة لمتابعة الإبداع.
إن حداثته تحتفي بتكسير القيم الجمالية وتهرب من الأسلبة ، وتتحرر في نقلاتها من أدء إلى آخر، ومن موضوع إلى غيره ، لكن هذا الانتقال بظل محكوما بخيط رفيع لا تخطئه العين الخبيرة ، لخصائص تؤشر بوضوح إلى فن علي الغول / أما إذا بحثنا عن هذا المشترك ، فقد لا نعثر عليه إطلاقا ، ذلك أنها خصائص خفية تتعلق بالروح أكثر من أن ترى كمشهد بصري .
ويمكن القول في شأن هذه الخصائص، أن الغياب الشكلي هذا هو نوع من إثبات الشيء بنفيه ، وهو نفي مؤشر على الوجود ، والغول لا يسعى للإثبات ولا للمبررات ، وإنما أصبح النفي للأسلوبية خصيصة له، واستقلالا وتميزا لا يشبه سواه،من حيث عدم الركون إلى بناءات دفاعية ،بل ينفتح على المشاهد ليريحه من عناء الوصول ، رغم الغياب الواضح ، ليصبح الغياب هو الهوية ، وهو اصرار غير بريء وتعبير عن رفض الأسر في مواصفات أو خصائص تعود للآخر ، كما أنها تتوجه إلى جمهور منزلق ، قادر على الحركة ، رافض للتحنيط في مسميات مسبقة ، أو أراض مكرورة.
ولعل تفرده في هذا الغياب هو مكن الأصالة وسيحتم عليه ذلك الاستمرار في البحث في هواجسه ورؤاه مع تكرار المواضيع التي أصبحت لازمة في كل مراحله ، كخصيصة حاضرة بدل الغياب الأسلوبي ، رغم الطيف الواسع  من التنوع ، وليس غريبا أن نصادف مواضيع مطروقة في أكثر من من معرض أو مرحلة ( الريف ، البادية ، الوطن ، القدس ، زهور ، طبيعة ، بحر ، أسماك ، ذاكرة ، صراع ، تضاد ، حوض النعناع ، وراقصة البالية ) ، وهذه عناوين لأعمال في مراحل مختلفة ، وتصلح أن تكون عناوين معرض واحد مع قليل من التغيير ، وهو مؤشر على ثراء وتفتح فنه على الحياة  والكون .
إن تنوع تلك المواضيع مؤشر أيضا على استيعاب العمل الفني عنده لحدي المعادلة الحسي ، والروحي ، الهنسدي والتلقائي ، الاجتماعي والفردي ، العلمي والصوفي ، الضرورة والحلم ، هي ثنائيات هندسية ، تجلي هواجسه ورؤاه .
تتأكد شخصيته التعددية من تعدد الأطياف اللونية التي يعمل عليها ، فمن الانسجام اللوني إلى المضاد ، ومن الألوان المنساحة المتداخلة ، إلى الألوان المنفصلة ، بحدود خطية ، ومن الألوان المكملة إلى الألوان المتممة ، وهذا مؤشر على طبيعة متقلبة ، لكنها ايجابية ، من حيث بحثها عن التنوع والثراء والاكتشاف .
كما تتأكد التعددية من خلال الانتقال المفاجئ في الخامات والأساليب والموضوعات ، خصوصا في انتقاله المفاجئ للرسم على الحرير كباحث ومجود ومجدد في هذا المجال
هناك حس طفولي غير متعمد وغير ملحوظ لديه ، وعلي لا ينفي أو يؤكد ذلك ، ربما يكون هذا مفتاح ما لكنه غير مضمون للدخول إلى عوالمه ورؤاه ، ويمكن القول أنه فنان لا يهدئ فهو دائم البحث والتجريب والتجوال .

الفنان رفيق اللحام :
من مواليد دمشق 1932، درس الفن في روما وتخرج عام 1964م ، ويعتبر من رواد الحركة التشكيلية في الأردن ، أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية الأردنية والدولية ، عمل مساعدا لمدير سلطة السياحة ومازال في عمله.
ملاحظة نقدية :
إن للفنان رفيق اللحام تجربة طويلة في مجال الفت التشكيلي بدءً من مطلع الخمسينيات ، وحتى الآن وقد مر بمراحل عديدة منها فن البوستر ( السياحي ) والتعبيرية ثم التوجه التجريدي ، إلى أن وصل مرحلته الحالية القائمة على مزاوجة عنصري الخط والمعمار العربي و الاسلامي ن وقد استطاع هذا الفنان المتميز أن يوجد لفنه سماته الخاصة التي يعرف بها ، وأعماله الحروفية تشير إلى توظيف واع للحرف العربي كقيمة جمالية ، إضافة إلى استحضار ذلك الدفء الذي يختزنه علاوة على ما فيه من حيوية ورشاقة أيضا ، يضاعف من هذه الحالة ذلك التزاوج الجميل بين عنصري التراث الحروفي والمعماري ، حيث يدخل الحرف بأشكال تخرج عن مألوف الخط ليصبح جزء من التكوين الفني في الكثير من الأعمال .
إن أعمال هذا الفنان تحملنا إلى عالم من البهجة والانس عبر تناغم رائع تبوح به أغلب أعماله التراثية ، كما أن خطوطه تملك قدرة تعبيرية مدهشة وألوانه الترابية ( الأوكر والبني ) واللون الذهبي في أعماله الأخيرة ، تشي بقدر عال من الايحاء ، في تعبيرية قريبة إلى النفس ، تبعث فيها رؤى المستقبل من خلال استلهام تراث أمتنا العريق .
رفيق اللحام
أطول التجارب التشكيلية الأردنية
الحديث عن تجربة اللحام له جوانب تتعلق بالحركة التشكيلية الأردنية وطبيعة علاقته بها وتطوره معها وبها ، وهي بالتالي نموذج ممتاز لتاريخ التشكيل في الأردن
لقد تطور فنه ذاتيا من جهة وبتفاعله مع حركة الفن الأردنية والعربية من جهة أخرى فالبداية المبكرة منذ عام 1951 في عرض أعماله والمشاركة في منذ ذلك التاريخ في التأسيس لعدد من الجمعيات الفنية والنوادي والتآلف مع كافة الأجيال التشكيلية الأردنية والاستفادة من تجارب عدد من الفنانين الوافدين أمثال ضياء الدين سليمان ( تركي ) عمر الانسي ( لبناني ) أرماندو ( ايطالي ) جورج اليف ( روسي ) كل ذلك كون لديه حصيلة معرفية تشكيلية من خلال اساليب ومعارف لدى هؤلاء الفنانين قبل الذهاب الى روما للدراسة ويمكن اعتبار فترة الخمسينيات فترة هواية ولكنه مع بداية الستينيات اصبح أحد هم رواد الحركة التشكيلية الأردنية
واذا كانت فترة الخمسينيات هواية فان لدينا من الشواهد ما يؤكد على مقدرة هذه المرحلة واشير الى اللوحة المائية ( القدس ) التي نفذها عام 1956 ذلك انه تتلمذ على مجموع هؤلاء الوافدين مما اتاح له الاطلاع على مجموعة مدارس فنية مختلفة ومواكبة الفن التشكيلي المعاصر وفي ذلك الوقت مع كافة الأجيال التشكيلية الأردنية من شيوخ ومخضرمين وشباب في منطق فني وكانت رسالته الأولى الوصول بالحركة التشكيلية الى حال أحسن ورؤى أجمل
هكذا بدأ تأسيسا على هؤلاء الوافدين ، من الانطباعية كما هو لدى ضياء الدين سلمان وعمر الانسي ، ثم الفطرية كماهو عند جورج اليف والتجريدية لدى ارماندو ليذهب الى روما ي بداية الستينيات ودراسته للجرافيك هناك ناقلا اعماله من مراحل بدائية الى مراحل انضج اتسمت بقدرتها على مخاطبة العيت والوجدان معا وتراق ذلك مع انتاج كم كبير من التصاميم السياحية ( البوسترات ) والتي استطاع فيها أن يؤكد قدرته على هذا الفن واثبت كفاءة عالية من خلال عمله في وزراة السياحة ، اضافة الى العديد من الملصقات التي انتجها في مناسبات وطنية وقومية مختلفة
بدأت معرفتي به عام 1972 حيث عرفته استاذا في مركز الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة وكان صديقا واستاذا لطلابة ولم يوفر جهدا لخدمة الفنانين على مختلف مشاربهم سواء بتقديم المشورة أو الارشاد أو الاقتناء لبعض أعمالهم تشجيعا ودعما كما عرفته فنانا يؤمن بالعمل الجماعي وقد استلم منصب أمين عام لرابطة التشكيلين لأكثر من دورة ورغم تجربته الطويلة وعمره المديد فما يزال يخمل روح الشباب وما زال يجدد في كل معرض وهذا كله دليل على مقدار ايمانه بالفن كطريق ورسالة
اذا كان رفيق اللحام بدأ واقعيا وانطباعيا فان مساره التشكيلي يبين أنه انحاز الى التجريد مرورا بالتعبيرية وربما استفادات تكعيبية اتسمت بتقطيعات هندسية أفقية وعمودية لكنه ظل بين فترة وأخرى يحن لبداياته وهذا واضح في مجموعة لوحاته عن القدس ، هذه اللوحات التي رسمها في مراحل فنية مختلفة وتناولها واقعيا وانطباعيا وتعبيريا وتجريدا معيدا العزف على موضوعتها في كل مرة بحس جديد ورؤيا مختلفة تبعا لتطوره التقني ، وذوقه الجمالي وحسه الانفعالي ، وربما اشتغل رفيق ايضا على البتراء واستوحى منها ومن الاثار النبطية الكثير من اللوحات فالخصيصة المميزة لأعماله أنك لا تستطيع تأطيرها ضمن مراحل ذلك أن مراحله متداخلة ففي الوقت الذي يعمل فيه تجريدا هندسيا تجد الاستفادات الزخرفية او الخطية او النبطية معروضة بجانب بعضها البعض الا أن العين الخبيرة لا تخطئ هوية العمل وانه ينتمي لرفيق اللحام وليس لفنان آخر
هذه القيمة تحتم على الدارس البحث في هاجس هذه الهوية لكن التسرع في الحكم هو الخطأ بعينه اذ أن رفيق بطبيعته ميال للتجديد ولا يحتمل التحنيط ضمن مدرسة محددة لكن الية العمل والأدوات هي التي تميزه ذلك أنه يتعامل مع الألوان والخامات بطلاقة تنم عن خبرة وقدرة على التعامل في بنائية خلاقة وهكذا نجد البورتريه بجانب الخط العربي والزخرف الهندسي والعمل التجريدي المغلق
تتجلى خبرته التلوينية في هذه الاطياف الواسعة من الألوان التي استخدمها بحساسيات ودرجات مرهفة خصوصا في أعماله الانطباعية ويهمني هنا ان اشير الى عدم تقيده بمسطرة ألوان الانطباعيين الغربيين اذ اننا نلحظ عدم استثنائه للون الأسود في ظلال لوحاته الانطباعية خصوصا في لوحة القدس المرسومة بعد 1967 وكذلك البتراء حيث يزحف الظل الاسود على موسيقى لون الصخور البترواية وهذه الانطباعية تؤكد على خصوصية تناولها في محيط مناخي مختلف عن الغرب حيث هنا الشمس الساطعة والظل المضاد اذ لا وجود لضبابية الاجواء الغربية فيها
اما تكويناته في أعماله الانطباعية فتاخذ الطابع التلقائي ، بعكس الأعمل التجريدية ذات التكوين المتصالب ، الذي يتنوع من لوحة إلى أخرى ، حيث يميل هذا التصالب يمنا ويسارا مؤكدا على تفرده في كل لوحة الأمر الذي يؤكد على الطلاقة في البناء التكويني والحرية في التناول ، اما أعماله الجرافيكية فهي متنوعة من حيث الخامات والنتائج فقد استخدم الزنك والحجر واللينوليوم والخشب بتقنيات مهمة تظهر فهمه لأسرار هذا الفن
نلحظ في اعماله الجرافيكية الأولى ميلا تعبيريا واضحا لكنه فيما بعد احتفى بتجريدات فنية برهافة وخبرة وربما كان هذا نتيجة لخبرات سابقة في فن الكاركتير
وتظل الخامة في أعماله سيدة الموقف اذ أنه بابداع في كل مرة خصوصا أعمال التي تكتسب ملمسا سيراميكيا او مظهر متقشرا ، وهو في جميع حالاته مسكونا بروح الشباب
الفنان ياسر الدويك :
من مواليد الخليل عام 1940م . درس في برايتون بانجلترا وتخرج عام 1972م . وقبلها حصل على البكالوريوس فنون / بغداد عام 1968 . أقام عدة معارض شخصية ، وشارك في عدة معارض جماعية في الأردن والبلاد العربية وفي الدول الأجنبية .
ملاحظة نقدية :
واحد من أهم التشكيليين في الأردن، وذلك من خلال تواجده المستمر والضاغط منذ بداية السبعينيات سواء بمعارضه أو بمشاركاته أو بقيادته للحركة التشكيلية ، بدأ بأعمال فولكلورية معالجة جيدا ، لكنه اتجه للتجريد الذي يعتمد في الأساس على الواقع ن اذ يبدو لي أن يرسم أشياء كثيرة بواقعية ، لكنه وبعد أن ينهيها ، يقوم بعملية طمس لبعض جوانبها ، تاركا ما تبقى منها كتلة متحاورة مع الفراغ الذي تحدثه المساحة المطموسة .
واستمر في الوقت نفسه بمتابعة تجاربه في الطباعة على الزنك وغيره من المواد متوصلا إلى نتائج مهمة في هذا المجال.

الفنان جمال بدران :
مواليد حيفا 1909م ، درس الفنون التطبيقية بالقاهرة من عام 1922-1927 ، ثم التحق لانجلترا من سنة 1934-1937 م ، متعمقا في دراسة التصميم والزخرفة والفنون التطبيقية ، أشرف على ترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، وإعادة منبر صلاح الدين بعد احتراقه ن كما أشرف على تصاميم مسجد الجامعة الأردنية زخرفيا ، وشارك في مخططات مسجد المغفور له الملك عبد الله بعمان ، له مجموعة من المعارض الخاصة والجماعية .
 

الفنانة الأمير فخر النساء زيد :
من مواليد استنبول عام 1901م ، درست الرسم في دار الفنون في استنبول وفي عام 1927م  تابعت دراستها في أكاديمية رنسون / باريس ، أقامت العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية ، تشرف على إدارة مدرسة فخر النساء زيد للفنون ( المركز الملكي للفنون الجميلة ) ، وارتبطت بصداقات وثيقة بأهم الفنانين العالميين .
ملاحظة نقدية :
كانت أعمالها الأولى ذات تأثيرات انطباعية ، اخذت تتجه نحو التجريد الغربي ، تم تأثرت بالتجريد العربي ، ظهر ذلك من خلال أعمال ذات صبغة زخرفية ، وقد نفذت الفنانة الكثير من هذه الأعمال اضافة إلى العديد من رسوم البورتريه باسلوب كاريكاتيري طفولي بتأثيرات بيزنطية .
ألوانها الشرقية صميمة حيث الحرارة والشمس وأعمالها مزيج نام ومتطور يأخذ من كل التيارات ، ثم لا يقف عند حدود ، إنما يخرج إلى عوامل أكثر شمولا والقا وتلونا ، وأعمالها تفيض باحساس الفنانة العميق بفلسفة الفن والجمال ، حيث تنقلنا إلى عوالم تأثيرية وتعبيرية مؤثرة ، وهي تصر على أن تحتفظ بالخيط السحري الذي يربط أعمالها بالانسان ، وهي تحاول دائمة أن تربط المعاصرة بتراثها الشرقي النبيل .

الفنان محمود طه :
من مواليد يازور يافا عام 1945م. حصل على بكالوريوس فنون تخصص خزف من جامعة بغداد عام 1968م ، درس الخط العربي على يد المرحوم هاشم الخطاط بين عامي 1964-1970م ، أتم دراسته العليا في كلية كاردف للفنون في بريطانيا عام 1975-1967م ، عمل في تدريس الخط وشارك في العديد من المعارض الجماعية في الداخل والخارج وأقام العديد من المعارض الشخصية .
ملاحظة نقدية :
يعتبر هذا الفنان بحق رائد فن الخزف في الأردن ، وواحد من أكثر الفنانين حضوراً وتأثيرا في مجال الخط العربي ، واستطاع بتمكن واضح أن يربط حاضرنا بجذورنا الأصلية، عبر مناخات هادئة ملونة في غاية السحر ، والقوة وأن يصوغ من عناصر الحياة الأربع ( الماء ، التراب ، الهواء ، النار ) أعمالا رقيقة فاتنة .
انه لم يكتف من خزفياته بما تعطيه من قيمة جمالية تنحصر بتكوينها الأصيل البكرن ولا بما تعطيه من قيمة استهلاكية لقد تمكن من امتلاك تلك المعادلة الفنية الصعبة التي تحول أي شيئ عادي إلى متميز وخاص ، فها هو الطين يتحول إلى تكوينات غير عادية ، تكوينات تحمل روح النحت العالي ، لقد تمكن أن يخلق من ذلك التراب انماطا ذات قدرة تعبيرية رائعة ، واستطاع ان يضيف إلى عناصر الحياة الأربع عناصر أخرى رفعت من وتيرة التأثير مثل ( الزجاج ) .
ان للفنان ( محمود طه ) رؤية فلسية كونية ، نلمسها في ذلك التوجه نحو استخدام أشكال دائرية أو كروية ، إضافة إلى ميله لاستخدام أنواع من الأقواس والمنحنيات المتوزاية والمتقاطعة والمتلاقية ، وهو في جدارياته الخزفية الرائعة ( الوطن والذاكرة ) يسجل فهما عميقا لروحانية الفن العربي الاسلامي.
ان أعمال هذا الفنان تعتبر نماذج تكاد تتفرد امتيازا وقوة وتأثير ، وهذا أمر لا يتوقف عند حدود التكوين العام ، بل ينسحب على نطاق استخداماته اللونية الموفقة التي تعطي احساسا بالدفء والشجن والأصالة ، مثل ألوان البني والأسود والأبيض وأطياف الأخضر وألوان المعدن وفق معالجة فنية عالية .
ان تكوينات محمود طه تحمل كما اسلفنا قدرا عاليا من روح النحت للعلاقة التي تربط أعماله بالفراغ المحيط ، وللرشاقة والقوة التي نلمس فيها ، وتوجهه إلى تكوينات جدراية نافرة لا تخلو من احساس نحتي مرهف .
أما في مجال الخط فقد حملت جدارياته المكتوبة فيضا كبيرا من الجمال الزخرفي ، على أنها بمجملها لم تخرج عن النمط التقليدي المعروف ، أما على  نطاق استخدام الحروفية لغايات التعبير ، فإن أعماله الخزفية تشهد تمكنا واضحا في هذا المجال حيث يصبح الحرف جزءً من جمالية وتكوين العمل على حد سواء .
أن لأعمال محمود طه دور كبير في إثارة احساسنا بقيم جمالية معينة أعادت اللحمة بيننا وبين تراثنا الجميل بكل قوة واقتدار .


ساميا زرو
أجرأ التشكيلين الأردنيين تعاملا مع الخامات
بعد دراسة الفن في الجامعة الأمريكية ، بدأت ساميا الزرو مشوارها في منتصف الستينيات ، وكان للفنون اليدوية وتدريسها في كلية الطيرة / رام الله ، أثر واضح في تعاملها مع المواد والخامات البيئية المختلفة ن بحثا عن مهارات وخبرات في تكنلوجيا الواد ، وبنت علاقة حميمة معها . فإذا ما أضفنا الميل الفطري للفنون الشعبية ، الأمر الذي جعلها تكيف حياتها مع هذا الحضور ليصبح جزءا من بيتها الأليف ، ومحيطها الحميم ، ليتزاوج التراثي بالمعاصر ، والبساطة بالنظام ، مما أتاح لها تطوير هذا التراث سواء في فنها أو في الجمعيات والنوادي والمؤسسات المهتمة بذلك وانعكس علي طبيعة فنها حين زاوجت ما بين الرسم والتصوير والنحت والكولاج ، فتجاوزت الرقعة المطرزة إلى جانب المساحة الملونة ، على أديم السطح التصويري ، وتعددت وسائط النقل التصويري ، من الكانفاس إلى البلاستيك الشفاف إلى الخشب فالزجاج والخيام والجلد وقد أتاح لها هذا التنقل في استعمال الوسائط الى حرية في الأداء وعفوية التناول والجدة وان دلالة ذلك هو الخبرة في الخامات والقدرة الابداعية في التوليف والاستنطاق والتوحيد بين الاضداد وهي أمور قل وجودها في تشكيلي واحد
وما أن يركن المتابع لطبيعة فنها اذ بها تنتقل إلى النحت ضمن خامات الحديد والمستهلكات الصناعية مستخدمة القص والتخريم واللحام ومستعملة الالات الكهربائية اللازمة لهذا الانتاج متوصلة الى منحوتات ناطقة ومعبرة وقدارة على الحضور بقيم جمالية كتلة وفراغا بلغة نحتية معاصرة
وما ان تطمئن الى انجازها النحتي حتى تنتقل فجأة إلى التكوين البانورامي الذي يحتوي المشاهد في داخله وكان ذلك في معرضها الموسوم بعنوان ( خيام وحجارة ) ، والذي أقيم على أطلال ناد مهدم مستفيدة من أنصاف الجدران والفضاءات المفتوحة فيه مقيمة خيامها وأعمالها المشغولة بالرسم والكولاج والاكسسورات التي استحضرت حدث الانتفاضة وقد نتج من هذا البناء البانورامي الذي احتوى وسائط شفافة تفاعل خلاق ما بين المشاهد والمنظر الكلي من جهة وما بين مجموع المشاهدين من جهة أخرى ،ليصبح الكل جزاء من بانوراما الانتفاضة .
وفي نقلتها الأخيرة بدارة الفنون تعود لتنسج أشياءها الأليفة في معرض بانورامي آخر لكنه ليس اعلاميا هذه المرة وانما هو بحث في الجماليات المركبة حين يلتقي الحديد مع الخشب وسعف النخيل والحبال والجلد والقماش والمرايا واللوحة التصويرية والنحاس والورق في كل شيء متجانس من التكوينات والألوان والفراغات والكتل وظلالها على الجدران .
ان الاشياء والعاديات التي تستخدمها ساميا في أعمالها هي عادية تماما لكنها تحيلها الى أعمال ابداعية محافظة علي بساطتها وتاركة للزمن والمناخ والبيئة ان تفعل فيها بقسوة تلك الاثار والعلامات لاغناء خطابها ابتداء من الصدا الذي أثبت في لحظة نادرة بمواد مثبتة وصولا إلى تشققات الخشب والورق محافظة على ديمومة اللحظة القادرة على الجدل والحوار مع الزمان والمكان .
انها تقتنص فرصة الامساك باللحظات الضائعة من تحولاتها التي تتيح توهجها الجمالي وكلامها الصامت وشكلها البليغ وهي هنا لا تكتفي بدور الصياد بل تعمل أدواتها وفرشاتها وازميلها في هذه الخامات يسندها فهم خلاق لآلية الابداع وتحويل العاديات الى فن جميل بدون ترفع أو ابتذال
ان كل قطعة من معروضاتها تحيلنا الى الفنون اليدوية والى الخامات البيئية لكنها في الوقت نفسه تقدم موهبة نادرة لا تتوفر للكثيرين ومهارة مشدودة للاحتمالات ما بين الوقوع في العادي والمبتذل او الوصول الى تخوم لم تطرق بعد ، وقد وصلت ساميا لذلك ولا غرور فهي من أقدر الفنانين الأردنين وأجرئهم على المخاطرة في لعبة الخامات والمواد وتقنياتها .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق